الثلاثاء، مارس 30، 2010

زائــر الـســلام


بسم الله الرحمن الرحيم


زائــــــــــــــــــــــر الســـــــــــــــــلام

إستيقظت فى الصباح الباكر كعادتها .. وقامت إلى خزانة ملابسها لإنتقاء ثوب .. استعداداً للذهاب إلى عملها ..وهى ترتدي ملابسها وتقف أمام مرآتها ، تملكها شعور لطالما شعرت به ولكنه كان زائداً عن الحد هذه المرة ، شعرت بالغربة - الغربة الشديدة - ولكنها لم تعير لهذا الشعور الكثير من إهتمامها رغم حدته .. وسريعاً ما نفضته عن ذهنها واكملت إرتداء ملابسها .

*******************

لقد استيقظت يا سيدي . –
عظيم ، سوف أترك لك بداية الأمر ..إذهب وتحدث إليها ،ثم إجلبها إلى هنا . -
. كما تأمر يا سيدي -
*********************
همت بفتح باب غرفتها.. فوجدته أمامها .. حدقت فيه بذهول بلغ منتهاه وهو ينظر لها وعلى وجهه ابتسامة
كان له هيئة وتكوين بشري ولكنه ليس بشريا على الإطلاق لون بشرته يدل على ذلك -لون أقل ما يوصف به النقاء نقاء سحب السماء البيضاء فى فصل الربيع ، وعينيه فى نقاء البحر فى هدوءه وصفاءه - كان له نقاء الوجه الذى تحب أن تنظر إليه وكلما نظرت له أكثر شعرت بالإرتياح والهدوء النفسى ..
ابتسم لها أجمل واعذب ابتسامة وهو ينظر إليها - كانت فتاة جميلة ليس ذلك الجمال الصارخ الفاتن .. بل ذلك الجمال الهادئ المحبب إلى النفس .
. أهلاً بكِ على أرض كوكبنا-
إنتفضت مع هذا القول ،ورددت متسألة فى دهشة عارمة
كوكبكم ؟ !! -
ثم نظرت له نظرة مستنكرة متسائلة ، فلقد فهمت كلماته وحدثته بنفس اللغة على الرغم من إنها لم تسمع بهذه اللغة من قبل ،ولا تعتقد أن هناك لغة بمثيلها على كوكب الأرض بأكمل .
ابتسم وقال :
- لا تقلقي نفسكِ بشأن اللغة فكان يجب أن نزرع لكِ شريحة يكون من شأنها تعليمك لغتنا حتى يسهل التفاهم بيننا .
استطرد سريعاً حتى لا يسمح لها بمزيد من التساؤلات . -
هلا نجلس وسوف أقص عليكِ كل شئ ؟؟ -
جلست وكل ملامح وجهها تنطق بالذهول التام .
وبداء يروى لها :
- نحن كوكب فى مجرة بعيدة عنكم كثيراً، ننقسم إلى جنسين مختلفين ، جنس يعتمد على القوة فى كل شئ ،همجى متعصب لا يرى إلا القوة ،ولا يعترف بغيرها .. فقط القوة .. يريد أن يحكم الكوكب من هذا المنطلق. بل كانت لديه خطط تفيد إنه لن يكتفى بهذا الكوكب فقط ، وفى سبيل الوصول إلى غايته لم يكترث للوسيلة ، ولم يتورع عن أهدار الكثير من الأرواح .
أما الجنس الأخر - الذى انتمى إليه - فهو جنس مسالم بطبعه يحيا للعلم ونشر السلام والمحبة بين جنسي الكوكب ، ولقد وصلنا لمستوى متقدم جداً فى العلم ،وكانت كل إختراعتنا يغلب عليها المنفعة ورقى الكوكب .
وكان كل من الجنسين يحيا فى نصف الكوكب طبقا لإتفاقيات إجريت بيننا لوضع أسس للعيش على الكوكب ، ولقد إلتزمنا بكل ما جاء فى الإتفاقية -على عكسهم -
كان لهم رأي آخر كانوا يرون إنهم الأقوى ويجب أن يحكموا الكوكب وأن يفرضوا سيطرتهم عليه وعلينا .
وكان لابد أن تقوم الحرب بيننا ، نحن نعم جنس مسالم ولكننا لا نقبل الأحتلال والأضهاد.. لا نقبل الذل .. نحن جنس مسالم حر ويعشق حريته .
- ولأننا قوم علم وذكاء كانت لنا الغلبة فى النهاية -
ولكن للأسف جاء ذلك على حساب الكثير من هدر الدماء والخراب والدمار ..أدى ذلك الى إبادة شبه تامة للجنس الأخر ، ونحن خسرنا الكثير من علماءنا الأفذاذ وشبابنا أيضاً ..
عندما وصل بالحديث عند تلك المرحلة أطرق برأسه ، وظهرت على ملامحة علامات الحزن والأسى ، وهمس وكأنه يحدث نفسه :
.هذا ما تجنيه الحروب دائماً -
صمت قليلاً ، ثم رفع رأسه ، واستطرد بصوت هادئ مسموع :
- - قبل نشوب تلك الحرب ..كنا قد وصلنا إلى مكانة متقدمة جداً فى علوم الفضاء ، وكانت لدينا معلومات كثيرة عن معظم الكواكب المحيطة بنا -خاصة ما يوجد بها حياة عاقلة - ومن ضمن تلك الكواكب كوكب الأرض بالطبع و ......
قاطعته فى حدة :
- وبعد إنتهاء حربكم تبحثون عن فئران تجارب لتكملة أبحاثكم ، وأنا هنا لهذا الغرض .. أليس كذلك ؟؟
ابتسم فى هدوء وقال :
. أتعلمين .. ان أكبر عيوب بنى جنسكِ هو التسرع .. لو لم تقاطعي حديثى لفهمتى كل شيء -
عاد يكمل حديثه الذى قطعته قائلاً :
- أكتشفنا كواكب كثيرة غيرنا يوجد بها حياة عاقلة ،ولكن أكثر الكواكب تقدماً كان كوكبكم -كوكب الأرض- كما تطلقون عليه .. باقى الكواكب لم تصل لتقدم علمى ملحوظ .. بل منها من يعش حياة بدائية ..
لذلك قررنا أن نستعين بأحد علماء هذا الكوكب للتعاون معنا لأنه سيكون أقرب المخلوقات فهماً لما توصلنا إليه من علم ويستطيع مساعدتنا .
قالت فى أهتمام واضح -وقد غلبتها روح العلم بداخلها- :
- مساعدتكم فى ماذا ؟؟
رد عليها وهو ينهض ويرسم على شفتيه تلك الابتسامة العذبة:
. - هذا ما ستعلمينه عند مقابلة حاكم كوكبنا
رددت فى دهشة :
..!!! حاكم كوكبكم -
.نعم .. بعد إنتهاء الحرب أصبح لكوكبنا حاكم واحد ، وقانون واحد أيضاً .. هيا بنا -
أوقفته قائلة :
. أنتظر .. تلك الغرفة إنها كغرفتى تماماً .. حتى خزانة الملابس مطابقة لخزانة ملابسي -
. نعم .. لقد صممنها لكِ خصيصاً ، حتى لا تشعري بالغربة فى غرفتكِ وقت إقامتكِ لدينا -
. أذاً فأنتم تعلمون عنى كل شيء .. حتى تصميم غرفة نومى -
- ألم أقل لكِ أننا جمعنا معلومات عن كل الكواكب المحيطة بنا .. خاصة كوكبكم .. كما أننا لن نأتى بكِ هنا قبل معرفة كل شيء عنكِ .. هيا بنا الحاكم فى إنتظارنا و ستجدين عنده الأجابة على جميع تساؤلاتك .
*************************
خرجا معاً من الغرفة لتجد نفسها تسير فى ممر طويل تنبعث منه أضواء -لا تعلم مصدرها- ولكنها كانت مريحة للعين والنفس أيضاً .
وصلا إلى قاعة متوسطة المساحة لها باب كبير مفتوح .. وأشار إليها بالدخول ..دخلت إلى القاعة وهى تنظر إليها فى دهشة وإنبهار كانت ذات تصميم بسيط ولكنه غاية فى الجمال - دائماً ما تحمل البساطة سر الأبداع-
قطع تأملها صوت هادئ عميق يقول:
- تقدمى يا بنيتى ..اجلسي .
رغم هدوء الصوت أنتفضت ، لتنتبه لأول مرة للكهل الذى يجلس على كرسي كبير فى نهاية القاعة وتحيط به كراسي أخرى أصغر حجماً ..أقتربت منه لترى ملامحه أوضح ، كان ذات لحية ناصعة البياض وله عينان يلتمع فيهما الذكاء والحيوية - رغم كبر سنه الواضح من ملامحه - والحنان فى آن واحد .
ابتسم لها وقال :
- ألن تجلسي ؟؟
أكتشفت إنها طوال الوقت كانت تحدق فيه وهى واقفة أمامه ، فتخطب وجهها بحمرة الخجل ، وجلست دون أن تنطق ببنت شفه .
عاد يبتسم مرة أخرى ، وقال بصوته العميق الهادئ :
.- أتمنى أن يكون " زيون " قد شرح لكِ الوضع
نظرت إلى " زيون " - وقد جلس جوارها - ثم وجهت نظرها إلى الكهل .. وقالت :
- إلى حد ما ، ولكننى لم أفهم بعد ما المطلوب منى بالضبط ؟ ولماذا أنا هنا ؟؟
أجابها " زيون " :
. - لقد أخبرتك أنكِ ستعلمين كل شيء عند مقابلتكِ للحاكم
وأشار للكهل الجالس أمامها .
ابتسم الحاكم .. وقال :
- المطلوب تعاونك مع علماءنا .
قالت فى أهتمام :
- التعاون معهم فيما ؟؟
أجابها " زيون " .. قائلاً:
- بعد إنتهاء الحرب ، وأستقرار أمور الكوكب ،ومحو آثار الحرب ، وأعادة الكوكب إلى ما كان عليه من سلام ومحبة ، فكر العلماء فى عمل دائرة تحيط بالكوكب من خارج غلافه الجوى يكون من شأنها عزل الكوكب عن أعين الكواكب الآخرى ، كما إنه يمنعنا من محاولة غزو كوكب آخر .. وذلك بمنع السفن الحربية مغادرة الكوكب ، ولا يسمح إلا بالسفن الأستكشافية العلمية فقط .. وأى سفن مخالفة لذلك تدمر بمجرد مغادرة الغلاف الجوى للكوكب .
!!!! - ولماذا كل هذا ؟؟
- لقد ذكرت لكِ من قبل إننا جنس مسالم ، ولو لم يكن هناك من جنس آخر يشاركنا على سطح الكوكب - وله ميول عدوانية - لما قامت حرب عليه .
وبعد قيام تلك الحرب سار لدينا هاجس يأرقنا ، فى أن نعداد الحرب وإن لم تقم حرب فيما بيننا ، فيكن غزو كواكب آخرى هو الهدف .. خاصة وإننا بعد بحث طويل لم نجد -حتى الآن - كوكب أكثر تقدماً وعلماً منا ، بل نفوق أكثر الكواكب تقدماً بمئات السنين .
وبهذا الجهاز نأمن شر أنفسنا قبل غيرنا . لن نفكر فى غزو غيرنا طمعاً .. ولن تقام حرب فيما بيننا لإننا نحيا فى مساواة وعدل ... كما نحمى الجيال القادمة من ويلات الحروب .. عندما يحمل إليهم التاريخ ما فعلوه أجدادهم ليحيوا فى سلام مع أنفسهم ومع الكون المحيط بهم .
قالت فى حيرة :
!!!!- تعزلون أنفسكم عن الفضاء الخارجى ، حتى لا تفكروا فى غزو غيركم
. - نحن لن نعزل أنفسنا ، بل سنفتح مجال للعلم والعلم فقط ، ما سنعزله حقاً هو التفكير فى الحرب
ابتسم الحاكم ابتسامة مريرة ، وقال :
- من ذاق ويلات الحرب وما تسببه من خسائر ، وما تتركه فى النفس من جراح ، يفعل أكثر من ذلك ،خاصة وإن كان تاريخه كله لم يشهد حرب واحدة .
- وفيما أستطيع مساعدتكم ،وأنتم - كما ذكرتم - أكثر تطوراً وعلماً من كوكبي ؟؟
. - لقد فقدنا الكثير من علماءنا فى تلك الحرب ، ونحتاج إلى كفاءتكِ فى تخصصك
المعلومات التى توصلنا إليها تقول إنكِ متميزة جداً فى مجالك وهذا سيساعدكِ كثيراً على أدراك علومنا سريعاً والتعامل معها .
خطرت لها فكرة أفزعتها .. فحولتها لتساؤل :
- وما أدرانى أنكم لا تسعون لحماية كوكبكم ثم غزو كوكبي أو أى كوكب آخر ؟؟
قال "زيون" :
- إن كانت نيتنا هى غزوكم فما يمنعنا عن ذلك -وكما ذكرت - إننا نفوقكم علماً بكثير؟؟
لم تجد ما ترد به ، فابتسم الحاكم وقال :
- نحن لا نسعى إلا فى السلام .. وقبل أن تبدأى أي شيء معنا ..لكِ أن تتأكدى من هذا .. وعملياً .. سوف يصحبكِ "زيون" لترين كوكبنا وتتعرفى على علومنا وكيف نستخدمها فى خير ونماء الكوكب ..وليس لدماره ..
قالت فى هدوء :
. - هذا أفضل بالتأكيد
صمتت قليلاً ، ثم أستطردت :
- ولكن لي شرط إن بداءت فى العمل مع علماءكم .. وهو أن أضع برنامج حماية شديد التعقيد -وأحتفظ وحدى بشفرته - لحماية أى كوكب من غزوكم له .
أجابها الحاكم :
. - لكِ ذلك
************************
تركا الحاكم .. وأرشدها "زيون" إلى ساحة كبيرة بها الكثير من الطائرات صغيرة الحجم - لا تسع سوى شخصين - وتصميمها يختلف كثيراً عن تلك التى تعرفها على كوكب الأرض .
إنتقى واحدة من بينهم وصحبها إليها .
سألته :
- هل تستطيع قيادة تلك المركبة ؟؟؟
ابتسم وقال :
- أنتِ تستطيعين قيادتها بعد ركوبها لمرة واحدة .. إن قيادتها تدار آلياً . كما إن وسائل التحكم بها من أسهل ما يكون .. سترين بنفسك .
ركبا سوياً ، وكانت من الداخل واسعة ومريحة وأمام مقعد القيادة توجد لوحة مفاتيح - تشبة لوحة مفاتيح الحاسب الآلى - وكان أمام مقعدها شاشة صغيرة .
أعد "زيون " الطائرة للإنطلاق ، وهو يقول :
. - أهلاً بكِ فى سماء كوكبنا
أنطلقت الطائرة فى سماء الكوكب ، وعاد هو يستطرد :
- سوف نقوم أولاً بجولة جوية لتتعرفي على طبيعة الكوكب من فوق ،وتلك الشاشة التى أمامكِ ستعرض لكِ كل شئ بوضوح.
قالت فى هدوء :
- يبدو أن طبيعة كوكبكم شديدة الشبة بكوكب الأرض ، أو على الأقل الغلاف الجوى مشابه لمثيله على كوكب الأرض ، فأنا لم أشعر بأى تغيير فى الهواء الجوى .
- نعم إلى حد ما .. إلا أن الأكسجين هنا يزيد بنسبة قليلة ،كما أن غلافنا الجوى أكثر نقاءً ، فنحن نحافظ عليه كثيراً ، فهو نعمة طبيعية لا يجب أهدارها .
. - نعم معك حق
غلف الصمت فراغ الطائرة .. وأخذت هى تتأمل الكوكب مرة من تلك الشاشة التى أمامها لترى معالم الكوكب فى وضوح أكثر، ومرة أخرى من نافذة الطائرة .. كان من الواضح إن مساحته أصغر بكثير من مساحة كوكب الأرض ، وكانت المساحة المائية تحتل مساحة شاسعة من سطحه .. كان هناك الكثير من الأنهار والمحيطات ولكنها تختلف عن كوكب الأرض فى شيء جوهرى .. تختلف فى اللون .. فكان لون مياه هذا الكوكب فسفورية لامعة .. كانت تنظر لكل شيء بإنبهار تام وعند مرورها بتلك المساحة المائية غمغمت فى صوت غير مسموع :
} . - صدق الله -العلي القدير - { وجعلنا من الماء كل شيء حي
كانت تنظر إلى كل تضاريس الكوكب الواضحة أمامها على الشاشة وهى تسبح الله - عز وجل - على هذا الأبداع الإلهى العظيم .
إنتهت الجولة ، ووصلت بهم الطائرة -بقيادة "زيون " - إلى نفس الساحة التى أقلعت منها منذ ساعات قليلة .
تركا الطائرة وترجلا ، فسألها "زيون " :
- هل عجبكِ كوكبنا يا آنسه "مي" ؟؟
نظرت له نظرة خاطفا ، ثم قالت :
- نعم ... كوكبكم يتمتع بطبيعة ساحرة .
صمتت قليلاً .. ثم أستطردت :
- أتعلم .. من الغباء أن اسألك عن كيفية معرفة اسمى بعد كل ما حدث ، خاصة مع تجهيز غرفة هى نفس تصميم غرفتى الحقيقة على كوكب الأرض .
أكتفى برسم ابتسامة على شفتيه دون أن يتحدث .
غلفهم الصمت طوال سيرهم إلى داخل المبنى .. ثم قطع هو هذا الصمت بقوله :
- سنذهب الآن لتناول الطعام ، ثم تنالين قسط من الراحة ،لنذهب بعد ذلك فى جولة برية لتتعرفي على شعب كوكبنا ،حتى تتفرغين بعد ذلك للتعرف على علومنا وعلماءنا ممن ستشاركينهم فى عمل (د - 8) .
رددت فى دهشة :
!!!!!! ( د - 8 )-
. - نعم هذا هو الاسم الذى أطلقناه على التجربة التى ستشاركين فى ناجحها
قاطعته مغمغمة :
.- بإذن الله
أكمل هو حديثة :
- إنها المرة الأولى التى نفكر فى عمل مثل تلك الدائرة التى تختلف طبيعتها عن أى دائرة كهرومغناطيسية تحيط بأى شيء داخل الكوكب فهى تلك المرة تحيط بالكوكب ذاته .
- "د" يرمز إلى الدائرة ... لِمَ رقم "8" إذاً ؟؟
- إنها المرة الثامنة لمحاولة اطلاق تلك الدائرة .. لقد فشلت سبع محاولات من قبل .. والمرة السابعة بالتحديد فشلت فشل ذريع وذلك لوفاة العالم الذى كان يقوم بنفس عملكِ ، ومحاولة باقي علماءنا إكمال التجربة بنتائج العالم الراحل ولكنهم لم يحققوا أى نجاح ، ولذلك قررنا الأستعانة بكِ .
قالت فى دهشة :
- ولِمَ لا تستعينوا بعالم من كوبكم ؟؟؟
ابتسم ابتسامة مريرة حزينة:
- لقد سبق وأخبرتكِ إننا فقدنا الكثير من علماءنا فى حربنا ، وللأسف لم نعثر على عالم فى نفس كفاءة العالم الراحل على أرض كوبكنا .. لذلك كان قرارنا عدم الإنتظار لإنشاء عالم جديد يشارك فى أطلاق الدائرة وكان أن قررت اللجنة العلمية الإستعانة بكِ بالذات لما حمله ملفكِ من معلومات تفيد إنكِ أقرب إلى فهم علومنا لكفاءتكِ وتميزك وفكرك المتجدد دائماً .
قالت بحيرة :
!!!!!! - كيف جمعتم كل هذه المعلومات ؟؟؟
- هذا من أمورنا السرية .. أعذرينى .
صمتت قليلاً ، ثم قالت :
- لا أشعر بالتعب .. هل من الممكن القيام بالجولة الثانية بعد تناول الطعام مباشرة ؟؟
- كما تحبين ..ولكن لِمَ هذه العجلة ؟؟
قالت مبتسمة :
. - لا أستطيع كبت فضولي للتعرف على علومكم وعلماءكم
*******************
إنتهت جولتها البرية ،وعادت إلى غرفتها ، يملائها الإنبهار بهذا الكوكب وشعبه ، إنهم يعيشون على الكوكب وكإنه مدينة واحدة ، لقد ذهبت -برفقة "زيون" - في سيارة تسير بسرعة خرافية .. وجالت أنحاء الكوكب -الصغير- .. لقد كانت مساحة اليابس به صغيرة جداً .. فى ساعات زارت المكتبات -وما أكثرها - تقابلت مع الناس وتحدثت معهم وراقبت تصرافتهم مع بعضهم البعض ...
إنهم يتعاملون وكأنهم يعيشون فى المدينة الفاضلة لــ "أفلاطون " ..

أرتمت على سريرها بعد هذا اليوم الشاق العجيب ....
وأخذت تفكر فى هؤلاء القوم إنها لم تتصور وجود المدينة الفاضلة على أرض الواقع ..لم تتصورها قط ..
وأستقر فكرها على إنها يجب أن تتعاون معهم فيما يرغبون وتبذل كل جهد لديها للنجاح .
وغرقت بعد ذلك فى سبات عميق .
************************
ـــــــــــــــــــــــ
فى اليوم التالى
ـــــــــــــــــــــــ
أبلغت الحاكم إستعدادها التام للمشاركة فى هذا المشروع .. وبدأت تتعرف على العلماء -بمعاونة "زيون" - وبدأت تدرس علومهم ومدى تقدمهم - خاصة فى مجال تخصصها- وفى وقت قياسي -بشهادة الجميع- بدأت تدرك مدى تقدمهم وبدأت تتعامل مع هذا التقدم بمنتهى اليسر .
وبدأت تشارك العلماء عملهم وتجاربهم . وأستمر العمل على قدمٍ وساق لمدة عدة شهور، الكل يبذل أقصى جهده لإنهاء التجربة بنجاح حتى هى -لا تكل ولا تمل - تشارك بأقصى ما لديها من جهد وعلم .. إلى أن حان وقت أطلاق ( د - 10 ) .. والكل فى حالة ترقب .. وبدأ العد التنازلى ...
وخرج صوت معدنى من جهاز الحاسب الآلى :
... 3
.. 2
. 1
... ( - تم أطلاق ( د - 10
كان الكل فى إنتظار ما ينتج عنه الأطلاق .....
الحاكم .....
زيون ....
العلماء ...
حتى هى ، وإن كانت أكثرهم هدوءً -ظاهرياً - وهى تدعو إلى الله - عز وجل - ليرزقهم التوفيق تلك المرة ويكلل مجهودهم بالنجاح -خاصة مع فشل المرتين السابقتين التى شاركت فيهم – فقد كانت تريد إثبات أن اختيارهم لها كان موفقا .. وتساهم في حماية هؤلاء القوم من أنفسهم وحماية غيرهم منهم ..
- قاطعها الصوت المعدنى الخارج من الحاسب الآلى وهو يُعلن :
[تمت عملية الإطلاق بنجاح تام ]-
تهلل الجميع فرحاً وسروراً وأخذ الجميع يهنئون بعضهم لقد نجحوا -أخيراً- بعد عمل دام لسنين وشهور ..
وقرر الحاكم أقامة حفل كبير يضم كل من شارك فى نجاح حلمهم ...
وكان الفرح يعم الكوكب كله فى هذا اليوم - يوم الحفل- ..
وقد كانت لـ "مي" مكانة كبيرة فى نفوس الجميع..

وفى أثناء الحفل
اقترب منها "زيون" ، قائلا :
- أمازلتِ مصره على العودة لكوكب الأرض رغم عرض الحاكم عليكِ بالبقاء وتوفير مجال علمي تستطيعين فيه مواصلة أبحاثك ؟؟
ابتسمت قائلة:
. - نعم .. أظن ذلك
قال "زيون" :
- ولِمَ لا تبقين هنا ،لقد تأقلمتى سريعاً على كوكبنا ؟؟؟
- لا أنكر إننى وجدت راحة كبيرة هنا ، وتعلمت الكثير والكثير ،ولكنى مشتاقة إلى كوكبي ..
إلى أرضي ..
إلى وطنى ..
إلى أهلى ..
ظهر على وجهه علامات الحزن وهو يقول:
- إذاً فلم يكن كوكبنا - بمن فيه - سوى زائر مر بحياتك .. تتركينه وتتابعي حياتك ولا تتوقفِ عنده كثيراً .
قالت بصدق شديد:
- إن كنت تسميه زائر فهو أفضل زائر تستقبله .. وتظل ذكراه فى قلبك مدى الحياة .. زائر تعلمت منه أفضل ما تعلمت خلال عمرى كله .. ليس علماً فقط .. بل تعلمت قيم وفضائل ..تعلمت أفضل قيم الوجود .. تعلمت كيف يكون العدل والمساواة .. تعلمت كيف يكون الحب والود .. تعلمت فوق كل هذا معنى السلام ...
السلام مع النفس ، والسلام مع الغير ، وكل ما تعلمته لن أحتفظ به لنفسي بل سأسعى لنشره ..
ولقد إنتهت حاجتكم إليّ ،ويجب أن أعود لكوكبي لأعلمه ما تعلمت .
غمغم فى صوت خفيض :
- ولكن حاجتي لكِ لم تنتهى بعد ..لقد بدأت.
تحاشت النظر إليه ، قائلة :
- " زيون " لا أنكر إنك شخص مميز للغاية .. ولكنى وضعت لنفسي هدف ويجب أن أسعى لتحقيقه .. لقد تعلمت شيء هام هنا .. ويجب أن أعود وأعلمه لمن يحتاجه .
-إذاً هو الفراق.
أطرقت برأسها أرضاً دون أن تجيب .
وشملهم الصمت طوال مدة الحفل الباقية .


*****************

تسلقت سُلم السفينة الفضائية التى تم إعدادها لكى تعود بها إلى كوكب الأرض .. ونظرت نظرة أخيرة على الكوكب .. ثم لوحت بيديها مودعة طاقم العلماء - الذين شاركت معهم العمل لشهور- والحاكم ..
و " زيون" .

أخترقت السفينة الغلاف الجوي عائدة بها إلى كوكب الأرض ..
وعندما أستقرت الملاحة فى الفضاء الشاسع .. قامت إلى نافذة زجاجية تنظر إلى النجوم المترامية فى الفضاء اللانهائي ..
وأمتلاءت مشاعرها بالشوق .. إنها ستعود حقاً .. ولكن ليس كما رحلت .. إنها ستعود لتكون
داعية ...
داعية للسلام .....


****************
" تمت بحمد الله "
****************